قصه الرؤيا ، احيانّا ما يكون الماضي صديقًا للمستقبل، ويطبق في الحاضر.
قبل ما ابدأ لازم أذكر حضراتكم إن أنا كاتب، فمن الطبيعي تزويد بعض الدراما عشان القصة تبقى بالشكل اللي حضرتك هتقرأة.. لكنها قصة حقيقية على لسان راويها، فلك حق التصديق او التكذيب..
أنا مين بقى، فأنا كوثر البدوي، أم لولدين زي القمر والأتنين اتخرجوا مشاء الله وبيشتغلوا، لكن أبوهم توافه الله من خمس سنين تقريبًا.. بعد مرور فترة من الزمن قررت إني واخيرًا اغير مكان اقامتي لأني الحقيقة ماكنتش مرتاحة في البيت القديم بالذات انه كان بيت عيلة، ويشاء القدر ألاقي شقة في منطقة حلوة جدا اعذروني مقولش اسمها، وسعر الشقة كان كويس نسبيًا، لكنها مش رخيصة، بالعكس غالية جدا علينا، لكن سيف ومحمود ولادي قدروا يساعدوني في تحمل التكاليف، المهم استلمنا الشقة وكانت مفروشة الحمدلله، والجميل في الموضوع إن ماكنش لينا جيران في نفس الدور، واللي كان الدور الخامس بالتحديد، ده لان الشقتين اللي كانو جنبينا واحده فيهم كانت مخزن لكن صاحبها توفى، والتانية كانت عيادة والدكتور صاحبها قافلها بقاله فترة كبيرة جدًا.. فبالتالي احنا الشقة الوحيدة اللي في الدور.. المهم بعد يوم شاق من التنضيف للشقة قررت اريح ضهري شوية عقبال ما سيف ومحمود يجوا من بره، لأني من النوع اللي مش بقدر أنام من غير مايكون عيالي معايه.. قلق بقى، توتر.. هبل زي ماهما بيقولوا، لكن ده طبعي.. وشوف مين يغيرلك طبعك.
بعد ما ريحت ضهري شوية حسيت بخطوات اقدام في الشقة، في لحظتها قومت أشوف مين من الأتنين جه أخيرًا، فضلت انادي على الاتنين ، لكن محدش كان بيرد عليا، اتاري اللي كنت سمعاه ده مش خطوات اقدام، ده بس كان صوت الكاتل مش اكتر.. في لحظتها كنت مصدعة جدًا ومرهقة، قررت إني أخش الأوضة ودعيت لربنا يجيب العيال بخير، لأن النوم كان كابس عليا وماكنتش قادرة اقعد اكتر من كده فدخلت أنام شوية عقبال ما العيال يجوا، شعوري بالأرق والتعب طول الليل خلاني اقوم بليل أشرب، واللي ميعرفنيش فأنا أصلا مش بحب اصحى بليل اشرب، او بالاصح مبحبش اقطع نوم بأي وسيلة ممكنه ايا كانت.. المهم بعد ما صحيت اول حاجه فكرت فيها كانت عيالي، بعدها لاحظت ان التلفزيون كان مفتوح ومتوطي على الأخر، روحت أشوف مين فيهم قاعد قصاد التلفزيون لقيته محمود كان نايم على الكنبة وشادد الغطى عليه واكياس شيبسي كتير مرمية ده غير ريموت التلفزيون الواقع في الأرض، واللب اللي القشر بتاعة كان مرمي في كل حته، مرضتش اقلق نومة واصحية وقولت الصبح هبقى اكلمة في اللي شوفته ده، فخدت الريموت وقفلت التلفزيون، وقبل ماقفل التلفزيون لاحظت بحاجه لزجة على الريموت، حاجه بتلزق ريحتها مميزة.. ريحة مبحبهاش وماظنش ان حد بيحبها… مع التركيز اكتر اكتشف انها ريحة دم!!.. قلبي اتقبض في اللحظة دي ورجلي ماكنتش شيلاني من الخضة والخوف اللي أنا كنت فيه وقتها لما لقيت بركة سخنة في الأرض.. البركة دي كانت بركة دم، وقتها الدم هرب من عروقي والخوف امتلكني، فضلت اقول وصوتي رايح من الخضة:
-محمود..أنت كويس يا محمود؟… مالك يا حبيبي.
من كتر ما اعصابي سابت سندت ركبي على الأرض وسط بركة الدم وانا شايفة ايد محمود مزرقة تماما، فضلت اخبط فيه واقول:
-رد عليا يا حبيبي، مالك بس.
وقتها جسم محمود اتقلب، مع اللحظة دي صوت صرخة عالية طلعت مني، اتبعها صوت خبطة عالية في الأوضة.. محمود وقتها عينة كانت حمرا تمامًا.. عروقة اكنها هتنفجر… فضلت ارجع كام خطوة لورا وانا حاطة ايدي على راسي بصرخ من الخضة، لغاية ما لقيت شخص ساند ايده على كتفي وهو بيقول:
-ايه يا ماما يا حبيبتي، مالك بتصرخي كده ليه!!.. خضتيني.
رديت عليه وانا ببكي من الخضة:
-م م محمود يابني.. محمود مش بيرد عليا.. قوم يا محمود يا حبيبي مالك؟
-محمود!!.. مانا محمود يا ماما في ايه مالك؟
في اللحظة دي صرخت لما بصيت في وشة ولقيته محمود فعلا، لكن كان نفس الجثة الموجودة على الكنبة، عينة حمرا تماما، ايده مزرقة.. الدم متجلط على ايده، مبتسملي وبيقول:
-مالك يا ماما، انا كويس اهو.. انا بس جيت لقيتك نايمة قولت مصحكيش.
في اللحظة دي جريت على باب الشقة حاولت افتحة لكني افتكرت اني قفلاه بالقفل، وقتها محمود كان بيقرب مني ببطيء شديد لغاية ما حسيت بصوت حاجه بتشخلل جنبي، اتبعها حاجه بتزنقي من ضهري، كان سيف وقتها اللي بيفتح الباب لما لقاني واقعة في الأرض ..
قومني من الأرض لما فضلت احكيله اللي حصل بخوف شديد، وفي وسط ما بحكي لقيت محمود خارج من الاوضة وباين عليه النعس الشديد وهو بيقول:
-ايه في ايه.. انا سامع اصوات ترزيع كتيرة وحاجات غريبة بتحصل صحتني من النوم.
بعدها خد باله من سيف فقال:
-وانت ياعم سيف انت جي دلوقتي ولا ايه، الساعة كام دلوقتي عشان ده كله.
بصيت لعيون محمود حسيت ان فيها حاجه غلط، مش دي عيونة.. انا عارفاه ده ابني وميخفاش عني ابدا، اما بالنسبة لسيف فدخل الأوضة يغير وسابني مع محمود.. محمود اللي كان قاعد على الكنبة يتفرج على التلفزيون وعامل ياكل في سناكس ولا اكن الفجر قرب علينا، ليلة غريبة بتمنى اني اغمض عين وافتح التانية الاقيها انتهت بكل الوحش اللي فيها لكن الواضح ان الوحش كان لسه هيجي لما محمود نام على الكنبة ونسي التلفزيون مفتوح، وقتها سيف كان موجود في اوضته قبل ما يطلع منها وهو في قمة غضبة مُتجه ناحية الكنبة اللي نايم عليها محمود..
في اللحظة دي قومت من على الكرسي اللي كنت قاعدة عليه وانا قلبي مقبوض بجري على سيف اوقفة أو أشوفة ماله، وقتها سيف زعق بصوت عالي وقال:
-محمووود…قوملي ياخويا، قوم يابن امبارح.
محمود قام مش فايق ومش داري بحالة لما قال:
-ايه يا عم سيف، حد يصحي حد كده؟؟
-واكتر من كده لما يبقى اخويا، اللي من لحمي ودمي يطلع بالوساخة دي.. كنت فين النهاردة يا محمود.
-كنت فين!.. يعني ايه كنت فين؟.. ما كنت متلقح في الشغل زي كل يوم هو في غيره.
اتدخلت في الموضوع وقولت:
-هو في ايه يا سيف، ما تفهمني يا حبيبي.
رد عليا لأول مره وهو منفعل :
-بقولك ايه، اطلعي منها دلوقتي عشان ابنك شكله عايز يتربى.
بعدها بص لمحمود وقال:
-كنت فين بعد الشغل يا محمود.
بدأ يضحك، الأبتسامة ماكنتش سايبة وشة… لأول مره أشوف محمود مُبتسم الأبتسامة الغريبة دي، اتبع ابتسامة محمود جملة مش هقدر انساها لما قال:
-كنت مع خطيبتك وهي بتخونك، اصل عيب تزعل القمر ده بردو يا سمارة.. البت حلوه وبالبلدي كده جامدة وانت مزعلها، بدأت تدور بره على اللي يصالحها ويطبطب عليها، وانت عارف بقى انا في تجارة والدنيا عايمة معاية يعني البضاعة اللي تتباع، شركتك التانية اللي انت شريك فيها اولى بيها، يعني مطلعتش بعيد، هتلبس ابيض من نفس البيت يعني.. بس متزعلش اوي كده، هبقى اعلمك متزعلش الجديدة.
لسه سيف كان هينطق ويمد ايده على محمود، لكني وقفت في النص بينهم وقولت لمحمود:
-يعني ايه الكلام ده يا محمود.
بكل برود وبجاحة وقلة قيمة قال:
-يعني خطيبة ابنك بقت في حجري خلاص، والخطوبة الأسبوع الجي… وانتو اول ناس معزومة.
دمي فار، عروق جسمي كلها اتشدت، وشي احمر وحسيت بشعور مقدرتش اتلاشاه الا وايدي كانت نزلت على وش محمود… مسكت ايدي وانا عيني في عين محمود، مندمتش على اللي عملتوا قد ماندمت ان تربيتي وشقى سنين راح في لحظة، لكن عكس ماكنت متوقعة لقيت محمود مبتسم من ردة فعلي، لكن ابتسامته مدامتش كتير إلا ولقيت ملامح وشة بدأت تتغير لملامح انسان كاتم غضبة وألمة جواه بقالوا سنين لما قال:
-ولو رجع بيا الزمن مليون مره هعمل اللي عملته ده تاني.. دايما بتحبي وبتدادي فيه، شايفة انه الكبير ومينفعش نكسرلة كلمة، وانا ماليش لازمة وصغير، حتى يوم ما فكرتي تدخلي حد فينا كلية خاصة دخلتي وشقيتي معاه وبفلوس كليته.. كلية الطب، وانا سبتيني اخش كليه مليانة ارقام وجداول انا عمري ما حبيتها، وده ليه عشان مش معاكي فلوس.. يلعن الفلوس اللي تخليني أحس كل يوم إني في حاجه نقصاني، وهو ما صدق وافتكر نفسه حاجه.. حتى البت اللي حبيتها راح خطبها اكمنه معاه قرشين ومرضاش يدفعهم في الشقة دي وخلاني انا ادفع كل اللي معايه وهو حط ملاليم عشان يتقال انه ساهم.. لكن احب اقولك حاجه يا سيف، انت عمرك ما هتبقى راجل.. عارف ليه، لأنك ابن امك، وهتفضل ابن امك.
في اللحظة الاتنين مسكوا في بعض زي التيران، كانت مصارعة مقدرتش احوش بينهم فيها، وفي لحظة عدت عليا اكنها سنة لما لقيت محمود بيقع و راسة جت في سن الكنبة، سيف بدأ ينادي على محمود ويفوق في لكن محمود ماكنش بيرد.. ساكت، دم بيسيل من دماغة زي النافورة وباصص لسيف مش بينطق، اخر حاجه شوفتها قبل ما يقفل عينه هي دمعة.. دمعة ألم وظلم عاشها محمود بقالة سنين وعايش جواه، قد ايه انا كنت قاسية عليه كل السنين دي من غير ما حس، انا اتمني موتي بعد اعدام ابني التاني بتهمة قتل اخوه.. كل ده وانا واقفة بتفرج، ماسكة ساعة ابني ورايحة جاية على الترولي كل يوم باخد في جلسات كهربا مش بتوجعني جسديا قد ما بتنشط كل ذكرى مؤلمة في الليلة دي.. ليلة سميتها بليلة الدم..
اندور شريف